يكشف الباحثون عن أسرع أشباه الموصلات حتى الآن
المشكلة الوحيدة هي أنه مصنوع من أحد أندر العناصر على الأرض
اكتشف العلماء ما يقولون أنه أسرع وأكفأ أشباه الموصلات حتى الآن. وعلى الرغم من أن المادة الجديدة مصنوعة باستخدام أحد أندر العناصر على الأرض، فإن الباحثين يقترحون إمكانية اكتشاف نظائر مصنوعة من مواد أكثر وفرة تعمل بسرعة مماثلة.
تدعم أشباه الموصلات جميع الإلكترونيات الحديثة تقريبًا. ومع ذلك، فإنها لا تزال تواجه قيودًا عندما يتعلق الأمر بسرعتها .
وأحد أسباب هذه الحدود القصوى للسرعة يتعلق بالاهتزازات الذرية التي تنتقل على شكل أشباه جسيمات تعرف باسم الفونونات داخل المواد الصلبة. ويمكن للفونونات أن تبعثر الجسيمات التي تحمل الطاقة والمعلومات حول الإلكترونيات.
عادةً ما تكون إلكترونات، ولكنها في بعض الأحيان جسيمات أكثر غرابة، مثل الإكسيتونات (الإلكترونات المرتبطة بنظيراتها من أشباه الجسيمات المشحونة إيجابيا، فجوات الإلكترون).
وفي الدراسة الجديدة التي تغلبت على المشاكل التي يمكن أن تسببها الفونونات، أجرى الباحثون تجارب على شبه موصل مصنوع من Re6Se8C12 وهو جزيء مصنوع من الرينيوم والسيلينيوم والكلور.
تشکل ذرات أشباه الموصل مجموعات تُسمى ” الذرات الفائقة ” التي تتصرف كل منها كذرة كبيرة واحدة، ولكن بخصائص مختلفة عن العناصر المستخدمة في بنائها. تتكون كل مجموعة من مجسم ثماني مكون من ست ذرات رينيوم تقع داخل مكعب مكون من ثماني ذرات سيلينيوم مع ذرة كلور أعلى وأسفل المجسم.
” الآن بعد أن عرفنا الخصائص الهيكلية والإلكترونية المطلوبة … هناك احتمال جيد أن نجد بدائل وفيرة من الأرض لهذه المادة القائمة على الرينيوم “.
– ميلان ديلور، جامعة كولومبيا
عندما تتلامس الإكسيتونات مع الفونونات في Re6Se8C12 ، بدلًا من التشتت، فإنها ترتبط معًا لتشكل أشباه جسيمات جديدة تسمى بولارونات الإكسيتون الصوتية. أشباه الجسيمات هذه قادرة على التدفق الباليستي أو الخالي من التشتت .
في التجارب التي أجريت في درجة حرارة الغرفة تحركت بولارونات الإكسيتون الصوتية في Re6Se8C12 بسرعة تعادل ضعف سرعة الإلكترونات في السيليكون، هذه المادة الأولى التي اكتشف فيها أي شخص حركة الإكسيتون الباليستي المستمرة في درجة حرارة الغرفة .
عادة ما تتشتت الإلكترونات الموجودة في أشباه الموصلات بعد انتقالها نانو مترات فقط، على مقياس زمني يقاس بالفيمتو ثانية. وعلى النقيض من ذلك، نجحت بولارونات الإكسيتون الصوتية في Re6Se8C12 في عبور عدة ميكرومترات (حوالي 1000 مرة أبعد) على مدار نانوثانية (حوالي مليون مرة أطول). وبالنظر إلى أن البولارونات يمكن أن تستمر لمدة 11 نانوثانية تقريبا، يعتقد العلماء أن بولارونات الإكسيتون الصوتية يمكن أن تغطي أكثر من 25 ميكرومترًا قبل أن تتشتت.
يتم التحكم في شبه الجسيمات هذه عن طريق الضوء وليس عن طريق التيار الكهربائي. وهذا يعني أن سرعات المعالجة في الأجهزة المبنية عليها يمكن أن تصل إلى الفيمتو ثانية، أي أسرع بمليون مرة من السرعات التي يمكن تحقيقها باستخدام إلكترونيات جيجاهيرتز الحالية .
في الأصل، لم يختبر الباحثون Re6Se8C12 معتقدين أنه سيثبت كونه شبه موصل جديد ومحسن. وبدلًا من ذلك، كانوا يختبرون المجاهر المخبرية على مادة اعتقدوا أنه لا يمكن أن يجرى لها أي شيء. انتهى بهم الأمر إلى اكتشاف أسرع أشباه الموصلات التي رأوها على الإطلاق، كما يقول الباحث المسؤول عن الدراسة ميلان ديلور، وهو عالم كيمياء وفيزيائي في جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك.
بعد عامين من العمل، يعتقد ديلور وزملاؤه الآن أنهم يفهمون لماذا يظهر Re6e8Cl2 هذا السلوك الاستثنائي وكما اتضح فإن الإكسيتونات الموجودة في أشباه الموصلات هذه تتحرك ببطء شديد المقارنة بالإلكترونات في السيليكون ومع ذلك، هذا يعني أن الإكسيتونات يمكن أن تقترن مع الفونونات ذات الحركة البطيئة على قدم المساواة. وأشباه الجسيمات الناتجة عن ذلك تكون ” ثقيلة ” أي أنها تتحرك ببطء ولكن بثبات. وعلى النقيض من ذلك، فإن الإلكترونات تكون ” خفيفة “، بمعنى أنها ترتد كثيرًا بحيث لا تتحرك بعيدًا أو بسرعة كبيرة في النهاية.
Re6Se8Cl2 هو أيضًا، إلى جانب الجرافيت و نيتريد البورون السداسي، ما يسمى بمادة فان دير فالس. تتكون هذه المواد من أغشية مكدسة من طبقات ناعمة ورقيقة ذريًا، متماسكة معًا بواسطة قوى كهربائية ضعيفة تُعرف باسم تفاعلات فان دير فالس، وهي نفس القوى التي غالبًا ما تجعل الأشرطة اللاصقة لزجة. اشارت الأبحاث السابقة أنه عندما يتم وضع صفائح رقيقة من الذرة من مواد فان دير فالس المختلفة فوق بعضها البعض لتشكيل ما يسمى بالهياكل المتغايرة، يمكن أن تظهر خصائص هجينة جديدة.
إحدى المشاكل الرئيسية التي يواجهها Re6Se8Cl2 هي أن الرينيوم هو أحد أندر العناصر على وجه الأرض. وهذا يجعل Re6Se8Cl2 مكلفًا للغاية ومن غير المرجح أن يكون منتجًا تجاريًّا.
ومع ذلك، ينتمي Re6Se8Cl2 إلى عائلة أشباه الموصلات الفائقة الذرية التي تشترك في الخصائص الهيكلية والإلكترونية. العديد من هذه المواد مصنوعة من عناصر أكثر وفرة. يتضمن ذلك مادة كربونية بالكامل تم اكتشافها مؤخرًا تسمى الجرافوليرين، والتي تشبه كرات من الكربون مرتبة في صفائح.
يقول ديلور “الآن بعد أن عرفنا ما هي الخصائص الهيكلية والإلكترونية اللازمة لتحقيق نظام النقل الجديد الذي تم اكتشافه في هذا العمل، هناك احتمال كبير بأن نجد بدائل وفيرة من الأرض لهذه المادة القائمة على الرينيوم والتي تظهر أيضًا خصائص نقل مثيرة للإعجاب،”
بشكل عام، يشير الباحثون إلى أن الإكسيتون-بولارونات الصوتية “يمكن أن تكون طريقة عامة لتحقيق تدفق طويل المدى للطاقة في مواد مختلفة، والتي لا يتوقع تقليديًا أن تظهر خصائص نقل جيدة”، كما يقول ديلور. “إنها نتيجة مفاجئة أننا نتطلع إلى تطبيقها على المزيد من الأنظمة.”
والتحذير الآخر لهذا العمل هو أنه يعتمد على الإكسيتونات بدلاً من الإلكترونات. يقول ديلور: “على الرغم من أن الإكسيتونات تحمل المعلومات والطاقة تمامًا مثل الإلكترونات، إلا أنها ليست بالضرورة متوافقة مع الأجهزة الحالية المستخدمة في صناعة أشباه الموصلات”. ولذلك، فإن تطبيقات أشباه الموصلات هذه “من المرجح أن تكون مختلفة عن تطبيقات أشباه الموصلات التقليدية”.
قد تشمل الأجهزة المحتملة المصنوعة من أشباه الموصلات هذه ” الترانزستورات الباليستية ” التي تستخدم الإكسيتونات بدلاً من الإلكترونات. ويقول ديلور إن هذه يمكن أن تكون بمثابة كاشفات ضوئية فعالة للغاية، أو يمكن استخدامها في الحوسبة لتقليل فقدان الطاقة وزيادة الأداء.
قام العلماء بتفصيل النتائج التي توصلوا إليها في عدد 27 أكتوبر من مجلة Science.
المصدر:
https://spectrum.ieee.org/semiconductor
الترجمة: ريان علي صالح
التدقيق: نسيبة بن زاهية ، ريم بن جمعة